أرابيوم / دكتورة هيام عزمى تكتب
( مدارس خاصة وتجريبية وحكومية – دروس خصوصية – السنتر التعليمي )
قُـــم للمعلــم وفـــه التبجيــــــلا كــــــــاد المعلــــــم أن يكــــــــون رســـــــولا
أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي يبني وينشئُ أنفـساً وعقولا
سـبحانكَ اللهمَّ خـيـــرَ معـلّـــمٍ علَّمتَ بالقلمِ القـرونَ الأولى
أخرجـتَ هذا العقلَ من ظلماتهِ وهديتَهُ النـورَ المبينَ سـبيلا
وطبعتَـهُ بِيــَدِ المعلّـــمِ ، تـارةً صديء الحديدِ ، وتارةً مصقولا
ما من أحد تعلم في مدرسة عربية عبر هذا العالم إلا ومحفور في قلبه هذا الكلام الذي قاله أمير الشعراء – أحمد شوقي، وتُردده الألسن كشهادة عرفان وإمتنان وتقدير لكل مُعلم يتفانى في تبليغ المعرفة والرسالة إلى الناس، وفي إخراجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم وضيائه.
ولكن الآن أين المُعلم الذي يستحق هذا الكلام الموزون ذو القيمة العالية ؟
أين ذهبت مبادئ وقيم وأخلاق المدرسين؟ أصبح مبدأهم الأول هو الركن المادي فقط، إنهم يعيشون في الحياة من أجل المال فقط، ولعلهم يعرفون أن مُحب المال يعيش في الأهوال ولا يهدأ له بال، هناك مدرسين نسمع عنهم ونعرفهم نجدهم يموتون الموت المفاجئ هذا يرجع إلى قدرهم بالطبع، ولكن على أي شيئ ماتوا؟ هل حُسن الخاتمة أم سوء الخاتمة؟ هل كان لهم إناس تدعي لهم أم إناس تدعي عليهم؟ فنجد منهم المدرس الذي يموت في لجنة المراقبة، والمدرس الذي يموت في درس من الدروس الخصوصية بأزمات قلبية، هؤلاء المدرسين إهتموا بالمال ، والمال طاقة أرضية تجذب لأسفل، ظلوا حياتهم يُفكرون ويحلمون بالحصول على المال، ويجمعون فيه بطرق غير مشروعة منها الإستغلال طبعاً، ويكون عقاب الله لهم أنهم يموتون ولا يتمتعون بكل ما جمعوه، حتى وهم أحياء لا يعرفون في أي شيئ ينفقوه، أي مُصابين بالحيرة في جمع المال، والحيرة في إنفاقه أيضاً.
تعالوا معاً لنرى ما يحدث في الواقع العملي في المراكز التعليمية أو ما يُسمى بالسنتر التعليمي
الذي إجتاح مناطق جمهورية مصر العربية، فبأي منطق يقال أنه بعد أن كان الدرس الخصوصي بالمنازل يحتوي على خمسة أو ستة أفراد على الأكثر، وقيمة الفرد في الثانوية العامة عشرون جنيهاً في الحصة أي الإجمالي الشهري للفرد ثمانون جنيهاً ، أما الآن تحول الأمر – فالمدرس لا يكتفي بهذا فقام بإلغاء دروس المنازل، ويقوم بتجميع الطلبة والطالبات في السنتر التعليمي، الفصل الواحد يحتوي على ما لا يقل عن 200 طالب في المادة الواحدة، سعر الحصة للطالب تتراوح ما بين 25-30 جنيه بمنطقة أرض اللواء، وإمبابة، أما عن حي المعادي تُقدر الحصة بـ 40 جنيه، وبالطبع اليوم الواحد يحتوي على أكثر من فصل دراسي، وأكثر من مادة، بمعنى لو قلنا أن اليوم يحتوي على 5 أو 6 مواد لطلبة متنوعة ما بين الصفوف الثلاثة للثانوي العام، فإحسب كم حصيلة اليوم للمدرس، والسنتر التعليمي، مع العلم أن الدروس أصبحت في جميع المواد حتى المواد التي لا تدخل ضمن المجموع وهكذا.
أتعرفون لو حسبناها على الحد الأدنى الذي يُقدر ب 25 جنيه للفـــــرد فـــي المــــادة الواحـــدة يبلـــغ ( 200 طالب × 25 جنيه للفرد ) = 5000 جنيه للمدرس في ساعتين من الزمن، لمادة واحدة، ولصف واحد، ولمجموعة واحدة، ، والكارثة الكبرى أنه حدث في الواقع الفعلي في إمتحان مادة التاريخ للثانوية العامة عام 2014، فالمدرس قام بإعطاء الطلبة أيام ( السبت، الأحد، الإثنين،الثلاثاء، الأربعاء) كل يوم حصة في هذه المادة، مع العلم أن حصص ليالي الإمتحانات بسعــر أعلى تصل إلى 30 جنيه للطالب الواحد في عدد مائتان طالب، أي الحد الأدنى لمكسب المدرس في ساعتين هو ستة آلاف جنيه، فهنيئاً لك أيها المدرس، وصاحب السنتر التعليمي بالمال الحرام المأخوذ من دم وشقاء وتعب أولياء الأمور، لقد أصبح الموضوع مهني وتجاري بحت أكثر بكثير منه تعليمي وله قيمة ورسالة.
أما عن المدرسين المتنوعين اللذين ينصحون الطلبة بكتابة الإجابات بخط سيئ ،والكتابة الكثيرة في ورقة الإجابة حتى لو كانت الإجابة خاطئة، ويقول المدرس للطلبة إكتبوا كثيراً حتى يرى المُصحح أن الورقة مليئة حتى لو لم يعرف يقرأ الخط، هتأخذ الدرجة لأنه سوف يقول أن الطالب هذا مجتهد لأنه كتب كثيراً، إنظروا معي أيها القراء – أصبح تاريخ بلدنا يُكتب فيه كل شيئ حتى لو كان خاطئاً، يالها من مهزلة، وياله من نظام تعليمي متحجر، بعيداً كل البُعد عن تنمية فكر البشر، بل هو نظام مُبرمجين عليه فقط – لا يُساعد على النمو أو التقدم، فأساس تقدم أي دولة هو التعليم والفكر المتطور، فكيف يأتي الفكر الجديد، ونحن نبرمج أبناءنا فيما لا يُفيدهم، ونتبع أسلوب تربوي خاطئ، أين أخلاقكم وقيمكم؟ هل أصبحت المادة تتحكم فيكم لهذه الدرجة؟ يا حسرة على الأخلاق، وتتساءلون لماذا إندثرت قيمتكم وسط الطلبة والطالبات؟ فإن ما تفعلوه يعود عليكم من نفس النوع، أصبحت الطلبة هم الذين يصرفون عليكم وعلى بيوتكم، فلا تشتكوا من معاملة الطلبة لكم، لأن معاملتكم معهم هي التي أوصلتكم لذلك النتيجة، للأسف ما أجده هو ضياع للرسالة التربوية والتعليمية، وأصبح هناك فعل ورد فعل فقط بين المدرس والطالب، أما عن الأهالي لهم الله يتولاهم برحمته، فماذا يفعل ولي الأمر الفقير الذي في الظاهر يتمتع بالتعليم المجاني، لكن في الواقع يُعاني من قمة الألم في إعطاء أبناءه الدروس الخصوصية، وحروب الإستنزاف البشري، وما الذي وصلنا إليه؟ وما هو مقياس التفوق العلمي؟ هل المجموع أم فهم الطالب لما درسه من مواد دراسية خلال العام؟ لقد سمعنا كثيراً عن نسب تفوق الـ 100% ، وإذا بحثت عنهم تجد طلبة غير مُتميزين وغير مُتفوقين فعلاً، لأنهم يحفظون أنماط الإمتحانات المثالية والنموذجية التي تأتي بها الوزارة ولا يخرج عنها الإمتحان، وحينئذ المدرسين القائمين بالتصحيح مرتبطين بالإجابات النموذجية، فيعطي الطالب الدرجات شبه النهائية، لابد من الصحوة الكبرى لتصحيح المناهج وتطويرها، إنني أجد في الحقيقة أن أي طالب حصل على درجة التفوق بنسبة مئوية عالية، ودخل كلية من الكليات العملاقة كما يقولون – أنه إذا لم يُحب هذا المجال لم يتفوق فيه بالرغم درجته الكبيرة في الثانوية العامة.
الحد الأدنى لمصاريف المدراس الخاصة يبلغ 7.000 جنيه بدون مصاريف الباص الذي يبلغ 2.000 جنيه، وهناك مصاريف مدارس أخرى تصل قيمتها إلى 20.000 جنيه.
وأنني لأتساءل أين القيود على المدارس الخاصة؟ هل أصبح من حق أي صاحب مدرسة أن يُعين مُدرسين وفقاً لأهوائه الشخصية، وليس طبقاً للقواعد والمعاييرالموجودة وهي أن يكون المُدرس خريج كلية التربية.
نداء لوزير التربية والتعليم بتصحيح الوضع القائم ببعض البنود المقترحة:
وضع نظام تعليمي جديد من مرحلة إبتدائي حتى مرحلة الجامعة يُفيد الطالب فعلاً ، وليس مجرد وضع مناهج وملء عقول فيما لا يُفيدها.
وضع التنمية البشرية بداية من أطفال الحضانة حتى طلاب الجامعة كمادة أساسية ليس بها نجاح أو رسوب ولكن تُعتبر كمادة ترفيهية للطلبة.
لابد من التفرقة الدائمة بين التعليم والثقافة فنحن في غنى عن عقول متخلفة فكرياً.
الإهتمام بالتعليم المهني، والإهتمام بالدبلومات الصنايع والتجارة، والتوجه إليها أكثر من نظام الثانوية العامة.
وضع معايير أخلاقية وتربوية للمدرسين في المدارس الخاصة والتجريبية والحكومية.
وضع قانون يُعاقب المدرس على الدروس الخصوصية.
عودة الرقابة في المدارس من جديد، والمفتشين التعليميين على المدرسين بجميع التخصصات، وتقييمهم حتى ولو أدى الوضع إلى تأخر المُدرس درجة مهنية أقل – عقاباً له عن تقصيره في حق الطلبة، والرسالة التي بين يديه التي سوف يُحاسبه الله عليها.
عودة الطلبة إلى المدارس، أصبح في الحقيقة الطالب لا يذهب إلى المدرسة إنما هي نظام روتيني، المُدرس يتقاضى مرتبه آخر كل شهر، ويكسب من الدروس الخصوصية، أين نظام الحصص واليوم الكامل والغياب والحضور للطلبة؟؟؟ لابد من رجوع العملية التعليمية منتظمة كما كانت.
أن يكون دخول الكليات على أساس إختبارات قدرات للطلبة لوضع الطالب في المكان المناسب وفقاً لقدراته، وليس على أساس المجموع ومكاتب التنسيق.
أملي في الله كبيراً جداً أن تتحقق كل هذه المطالب لرقي وتطور أبناء مستقبل بلدي مصر العظيمة، وفقكم الله لما يُحب ويرضى.
اخبار
0 التعليقات:
إرسال تعليق